الجمعة، 8 يوليو 2011

مشروع قانون حماية الصحفيين .. فضفاض ولا ضمانات واضحة للحماية “أغلب مواده بعيدة عن الهدف الرئيسي”

عانى ويعاني الإعلاميون في العراق اضعاف مضاعفة عن ما عاناه أقرانهم في بلدان العالم الاخرى، جراء الظروف الأمنية التي تعصف ببلدهم، والتي لها وقعها المباشر عليهم كإعلاميين، لإنهم في واجهة الاحداث وفي مخاض الفعل ورد الفعل. فمنذ الحرب على العراق في الـ2003 مارس الإعلاميون العراقيون عملهم بدون أي مظلة حماية قانونية، تحميهم وتحمي مهنتهم وتحافظ على كرامتهم وتصون حقوقهم. فما بين اغتيال واعتقال وترهيب وخطف وعنف، اصبحت مهنة المتاعب، مهنة الموت مع وقف التنفيذ. ويعتبر القانون في كل إرجاء العالم الضمانة الفعلية للحماية والدفاع عن الحقوق، وأي قانون يجب ان تفسر مواده مبررات إنشاؤه وضرورة إقراره والتي تأتي تحت عنوان الأسباب الموجبة.
وماذا بعد!! سنوات من النقاش والرد والتردد، ليعود قانون حماية الصحفيين في الظهور مؤخراً مرة اخرى حيث تمت قراءته من قبل مجلس النواب العراقي قراءة أولى، وهو بإنتظار قراءة ثانية ليحسم أمر رفضه أو إقراره.
وعبر قراءة لمواد مسودة القانون الموجودة في الموقع الإلكتروني لنقابة الصحفيين العراقيين، توصلت الى جملة من الملاحظات، فمشروع القانون جاء تحت عنوان مهم ومؤثر ويحمل مغزيين، معنوي ومادي، وهو الحماية… فهل تضمنت مواد القانون الـ14 هذه الفكرة بشقيها المعنوي والمادي؟؟.
في المادة الاولى ذكر القانون ان احكامه تسري على الصحفيين المنتمين الى نقابة الصحفيين، وذلك معناه ان أي صحفي غير منتمي للنقابة لايشمل بهذا القانون.. وهذه أولى نقاط الخلاف والاختلاف، لان الوسط الاعلامي العراقي يضم كادر اعلامي كبير أغلبه غير منتمي للنقابة لإسباب مختلفة، وبذلك فقد حرم القانون شريحة كبيرة من الاعلاميون من التمتع بالحقوق التي نصت عليها مواده.
اما المادة الثانية، فذكرت بان الهدف من القانون هو توفير الحماية للصحفيين وضمان حقوقهم، لكنها عبارة فضفاضة وعمومية، ولم توضح الآلية التي تنفذ بها هذه الحماية وهو مايضعها وسط استفهامات كثيرة.
وتناولت المادة الرابعة فقرة مهمة وحساسة وموضوعية وتشكل النواة الإساسية التي تبنى عليها جدوى وفاعلية أي مادة صحفية في كشف الحقيقة وتحري الصدق، والمقصود هنا الحق في الحصول على المعلومات، لكن التطرق اليها كان عرضياً وموجزاً ومختصراً.. إذ جاءت بالشكل التالي.. للصحفي الحق في الحصول على المعلومات والأنباء والبيانات والإحصائيات من مصادرها بما يسمح به القانون والاحتفاظ بسرية مصادر معلوماته. والفقرة هذه تستحق لوحدها ان يخص لها قانون مستقل بذاته كما هو متعارف عليه في اغلب دول العالم، حيث كان من المفترض ان يقدمه المشرعون في العراق وتحت العنوان المعروف له وهو ( قانون الحق في الحصول على المعلومات)، والقانون هذا يشمل جميع المواطنين على حد سواء بما يضمن حقهم في الحصول والاطلاع على المعلومات والبيانات والاحصائيات في شتى المجالات والتي لاتصنف تحت مسميات (سري للغاية).
اما عن بقية مواد القانون، فكانت رخوة، حيث جاءت المادة الخامسة لتذكر بإن للصحفي الامتناع عن الكتابة وإعداد مواد صحفية تتنافي مع معتقداته وآرائه وضميره الصحفي وان للصحفي التعقيب فيما يراه مناسبا لإيضاح رأيه بغض النظر عن اختلاف الرأي والاجتهادات الفكرية في حدود الاحترام للواجب القانوني، وهل لهذين الحقين حاجة الى اعتماد وإقرار عبر قانون، وهما يخصان بالتحديد حرية الرأي والتعبير والتي سبق وان نص عليها الدستور العراقي.
وجاءت المادة الثامنة متضمنة بإن يعاقب كل من يعتدي على صحافي أثناء تأدية مهنته أو بسبب تأديتها بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف أثناء تأدية وظيفته أو بسببها، وهنا نسأل أليس الصحفي موظف في الدولة العراقية مثله مثل أي موظف، أذن ما الجديد الذي جاءت به هذه الفقرة؟؟.
وفي المادة العاشرة تم التطرق الى أهم مفصلية في عمل الصحفي، وهي مسألة القضايا التي ترفع بحق الصحفيين جراء كشفهم حقائق في جانب ما، لكن المادة تناولت هذه المفصلية المهمة بحيادية واستخفاف ذاكرة التالي:- يجب اخبار نقابة الصحفيين عن اي شكوى ضد الصحفي عن جريمة مرتبطة بممارسة عمله الصحفي، ولايجوز استجواب الصحفي او التحقيق معه عن جريمة منسوبة اليه مرتبطه بممارسة عمل الصحفي الا بعد موافقة نقابة الصحفيين ولنقيب الصحفيين او من يخوله حضور استجواب الصحفي او التحقيق معه او محاكمته. والفقرة هذه تحدثت عن شكل الاستجواب والتحقيق لكنها أهملت المضمون، إذ بإي قانون سيحاكم الصحفي، حيث يحاكم الصحفيون في العراق وفق لقانون العقوبات رقم 65 لسنة 1969 المعدل وقانون المطبوعات العراقي. وهكذا فكان من المفترض استحداث نص قانون خاص يتعمد في محاكمات الصحفيين.
المواد الاخرى لمسودة القانون تناولت مفردات تعلقت بآليات التعيين والترفيع والترقية، وهي مفردات مهمة، ولكن كان من المفترض ان يتم تحقيق موازنة عبر الاهتمام بالتركيبة القانونية للمواد الاخرى والتي تخص حماية العمل الصحفي كمصدر من مصادر السلطة والعمل على تأمين دور العمل الصحفي وإسانده من خلال تسليط الضوء على مواد قانونية تمكن الصحفي من ممارسة نشاطه وواجبه بحرية وفاعلية أكبر، وحتى لاتثار الشبهات في إحتمالية تمرير هذا القانون في حال تمريره، اعتماداً على نصوص خصت الجوانب المادية واهملت الحقوق الفكرية والمعنوية.
وهكذا فبعد سنوات صبر طويلة، كان يأمل الاعلاميون في العراق ان يأتي القدر بقانون متين وخالي من الهفوات لينصفهم وينصف دورهم في عملية اعادة بناء الوطن، وأشد خوفهم من ان تنطبق على قانونهم مقولة تمخض الجبل فولد فأرأً..!!.

ليست هناك تعليقات:

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...