الثلاثاء، 8 فبراير 2011

عنفٌ ذاتيٌ

عرض Zainab Al...jpg في عرض الشرائح  
زينب الشمري

تطرقت في مقالتي السابقة قبل ايام والتي كان عنوانها (ماذا لو كانت مجتمعاتنا بالمقلوب!!) وتحدثت فيها عن العنف ضد المرأة العراقية وما تعانيه من كونها ضحية الرجل وتكلمت عن العنف الشائع واسبابه واثاره السلبية على العلاقات الاسرية التي هي نواة المجتمع وما يسببه فقدان الثقة بالنفس وحالة الاضطراب وعدم الشعور بالامان وختمتها بسؤال وهو (لو كانت مجتمعاتنا انوثية وكانت المرأة هي صاحبة القرار الاول والاخير في جميع مناحي الحياة، هل يرضى الرجل ان تعنفه المرأة بأي شكل من الاشكال).
وفي هذه الكلمات سوف اتحدث عن نوع اخر من العنف قد يكون غريبا بعض الشيء ولكنه موجود ونلاحظه في العديد من المواقف الزمكانية، وهو عنف المرأة لنفسها (للمرأة).
سوف اتطرق في هذا المقال الى نماذج من (العنف الذاتي) للمرأة .. فالكثير من النساء لا يعلمن انهن يساعدن على استمرار وتشجيع العنف الموجه ضدهن. وهنا اتذكر حديث عميد كلية في احدى جامعات (الفرات الاوسط) حيث ذكر بأنه لا يرغب بتوظيف النساء في كليته مبررا ذلك بـ (ان النساء لا يتحملن مسؤولية اي عمل ولا يقمن بالاعمال الموكلة اليهن بالشكل الصحيح)، وهنا عادت بي الذاكرة الى الوراء مستذكرة قول احد اقربائي الذي كان مسؤولاً في احدى الوزارات حيث رفض تعيين نساء في مديريته آنذاك بالقول (انا مستعد ان اعمل بيدي هاتين على ان اوضف امرأة تتعبني من خلال عملها غير الدقيق واجازاتها الكثيرة).
ولأتحدث بصراحة فالمرأة ساهمت بشكل كبير في زرع هذه الصورة النمطية السلبية التي تقلل من شأنها وعدم قدرتها على تحمل المسؤولية بل انها خلقت لتكون دائماً
تحت حماية الرجل وتعيش تحت ظله وفي كنفه.
وهنا سأتطرق الى مواقف اتخذتها المرأة لا تصنف إلا انها سلبية بحقها:
فكم من أم اجبرت ابنتها على الزواج من رجل لا تريده؟!
وكم من امرأة ضربت امامها اختها او بنتها من قبل ابيها او اخيها او زوجها ولم تحرك ساكناً إن لم تسانده؟!
وكم من برلمانية رفعت يدها موافقة على سن قانون لم ينصف المرأة إن يسلب الكثير من حقوقها؟!
وكم من موظفة تصرفت بشكل اعطى انطباعاً بأن النساء لا يصلحن للعمل وانهن عالة على مرؤوسيهن؟!
وكم .. وكم.. وكم..؟!
لا اعرف اسباباًَ جعلت المرأة تظلم نفسها وتكبت الطاقات الكامنة فيها، هل هو الخوف من نتائج المواجهة مما ادى الى عدم قدرتها على اختراق الحواجز وقدرتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية على تحمل النتائج مهما كانت، ام هو جهل المرأة بحقوقها الضائعة في سراديب الزمن ام اليأس الذي نما معها منذ الازل والضعف الذي وضعت فيه منذ نعومة اظفارها وطريقة التعامل الاسري معها على انها كيان ضعيف او مخلوق من الدرجة الثانية مما جعلها تبدو وكأنها منزلقة من كيانها السامي نحو الاسفل مما يهدد نصف المجتمع.
واعتقد ان سكوتها على الظلم الذاتي او الموجه نحوها من الاخر سيؤدي بكل تاكيد الى استفحال ما تواجهه من مشاكل في المستقبل (فالعنف لايرد الا من وقع عليه هذا  العنف ) فعليها ان تعرف حقوقها الدينية والقانونية وان لاتتردد في اللجوء الى العديد من الطرق السلمية وليس بالمشاكل وان تحصل على حقوقها كاملة وان تسترد من كرامتها حتى ولو الشيء القليل بل بالعكس عليها ان تثيت للاخر بأنها قادرة على ان تصبح مثلا يحتذى به.
فالمرأة اليوم على مفترق طرق عليها ان تختار بين ان تبقى خلف اسوار السجون او الانطلاق للعيش في فضاءات الحرية والمساواة والانطلاق الى جميع مناحي الحياة، وبالتأكيد ان طريق نيل الحقوق ليش مفروشاً بالورود والرياحين بل اقل مايمكن ان يقال عنه انه مليء بالاشواك ولا تتوقع ان يقدم لها حقها على طبق من ذهب بل عليها ان تشحذ الهمم وان تعرف قدر نفسها قبل ان يعرفها الغير.
وعلى الجانب الاخر من الصورة فقد حطمت العديد من النساء العراقيات قيود الزمن وفرضن نفسهن على خارطة الحياة اليومية في العراق ليجعلنها اكثر اشراقاً، وهنا سوف اذكر مثالا عن تلك الصورة المشرقة التي رسمتها عراقية اليوم فعندما نعود الى بداية تسعينيات القرن الماضي عندما كان زوجي طالباً في كلية الهندسة ذكر لي انهم كانوا 72 طالباً في القسم بينهم فقط (2) من النساء وكان الطلبة يتندرون على النساء بقولهم (إن النساء دراخات لا يستطعن النجاح في الكليات العلمية)، ولكن في يوم ما قبل عدة اشهر دخلت كلية الهندسة ونفس القسم الذي كان زوجي فيه فوجت ان عدد الطالبات تجاوز النصف بل وكن متفوقات اكثر من نظرائهن الطلبة.
هذا المثال يعطي نتيجة واحدة ان المرأة قادرة على ان تكون في مصاف نظيرها الرجل في كل شيء (طبعاً ضمن حدود طاقتها الجسمانية)  وانها قادرة على الخروج من شرنقتها الى عالم اخر بشرط ان تبدأ بتغيير نفسها (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم) آيه (11) سورة الرعد، والتغيير يكون من داخل المرأة نفسها وان تكسر كل حواجز الصمت والخوف، وفي هذه الحالة لن تجدي محاولات كبح جماحها بل ستشكل لوحة واحدة يبرز فيها شخصان وهما مكملان بعضهما وهما يبنيان عالم خال من العنف.

ليست هناك تعليقات:

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...